المقدمة
في السنوات الأخيرة، أصبح الذكاء الاصطناعي لاعبًا رئيسيًا في صناعة المحتوى الرقمي، وخصوصًا الفيديو. أحد أبرز هذه الابتكارات هو تطبيق Sora من شركة OpenAI، الذي يحوّل النصوص إلى مقاطع فيديو بجودة مبهرة. لكن الجديد لم يكن فقط في التقنية، بل في السياسة: إعلان OpenAI عن اعتماد نموذج مشاركة الإيرادات مع أصحاب الحقوق.
هذه الخطوة قد تُعيد تعريف العلاقة بين المبدعين والمنصات التقنية. بدلًا من أن يكون صانع المحتوى مجرد “مزود بيانات” تستغل أعماله، أصبح شريكًا له نصيب من الأرباح.
مفهوم نموذج مشاركة الإيرادات وأهميته
نموذج مشاركة الإيرادات هو نظام يتم فيه توزيع جزء من الأرباح على الأطراف المساهمة في خلق القيمة. في حالة OpenAI، هذا يعني أن صانع المحتوى أو مالك الحقوق سيحصل على مقابل مالي عندما يتم استخدام أعماله أو شخصياته في فيديوهات مولدة عبر Sora.
أهمية هذا النموذج كبيرة:
-
يعزز العدالة الرقمية.
-
يقلل النزاعات القانونية حول حقوق النشر.
-
يشجع أصحاب المحتوى على التعاون مع المنصات بدلًا من مواجهتها.
-
يخلق بيئة جديدة يتقاسم فيها البشر والذكاء الاصطناعي الأرباح بدلًا من المنافسة الصِرفة.
كيف يمنح OpenAI تحكمًا أكبر لأصحاب المحتوى
أحد أبرز الجوانب في إعلان OpenAI هو “التحكم الدقيق”. أي أن صاحب الحق سيكون قادرًا على تحديد كيف يمكن استخدام محتواه أو شخصياته داخل Sora.
هذا التحكم لا يقتصر على القبول أو الرفض، بل قد يشمل خيارات متعددة: السماح باستخدام المحتوى بشروط، تقاسم الأرباح، أو حتى وضع قيود على نوعية الاستخدامات. وبذلك، يتغير النظام من “استغلال بلا إذن” إلى “شراكة قائمة على الموافقة والمكافأة”.
ما هو تطبيق Sora وكيف يعمل؟
Sora هو نموذج نص إلى فيديو، يقوم بتحويل أي وصف مكتوب إلى مشاهد مرئية متحركة. يمكن للمستخدم كتابة وصف مثل: “طفل يركض في حديقة مليئة بالبالونات”، وسينتج التطبيق مقطع فيديو قصير يجسد ذلك.
النسخة الثانية من Sora أضافت ميزات اجتماعية، مثل إمكانية إدخال شخصية المستخدم نفسه عبر تسجيل صوته وملامحه، فيما يعرف باسم “Cameos”. هذا يعني أن أي شخص يمكنه أن يصبح بطل فيديو قصير من إنتاج الذكاء الاصطناعي.
رغم ذلك، هناك قيود مثل طول الفيديو (يصل غالبًا إلى 20 ثانية)، مع وجود علامات مائية لإثبات أن الفيديو مولد بالذكاء الاصطناعي، وضمان الشفافية.
تفاصيل نموذج مشاركة الإيرادات في Sora
ما أعلنت عنه OpenAI هو نيتها اختبار نموذج يضمن أن أصحاب الحقوق الذين يوافقون على استخدام أعمالهم سيحصلون على نصيب مالي من العوائد.
كيف يمكن أن يعمل هذا النموذج؟
-
اقتطاع نسبة من أرباح التطبيق وتوزيعها على مالكي الحقوق.
-
فرض رسوم إضافية على استخدام شخصيات أو محتويات معينة، وتقاسمها مع المالك.
-
احتساب المشاهدات والاستخدامات لتحديد قيمة المشاركة.
ورغم أن التفاصيل النهائية لم تُعلن بعد، إلا أن الفكرة الأساسية هي نقل العلاقة من الصراع إلى التعاون.
الفوائد والتحديات
الفوائد:
-
تمكين أصحاب المحتوى من جني أرباح جديدة.
-
تعزيز الشفافية والثقة بين المبدعين والمنصات.
-
خلق فرص تعاون جديدة بين صناعة الترفيه والذكاء الاصطناعي.
-
تحفيز المبدعين على السماح باستخدام أعمالهم بدلًا من منعها.
التحديات:
-
تحديد نسب عادلة لتوزيع الأرباح.
-
صعوبة إدارة الحقوق إذا تداخلت عدة شخصيات أو عناصر في فيديو واحد.
-
إمكانية استغلال النموذج في طرق غير مرغوبة.
-
اختلاف القوانين الدولية لحقوق النشر، مما يعقد التطبيق عالميًا.
التأثير على صناعة الفيديو والإبداع الرقمي
هذا النموذج قد يفتح الباب لمرحلة جديدة من الإبداع. صانع المحتوى لم يعد مجرد مهدد بفقدان أعماله لصالح الذكاء الاصطناعي، بل أصبح شريكًا يربح من التقدم التكنولوجي.
يمكن أن يؤدي ذلك إلى:
-
ظهور محتوى جديد يجمع بين الشخصيات الأصلية والإبداعات التفاعلية.
-
تراجع بعض أشكال الإنتاج التقليدي البسيط لصالح المحتوى السريع المولد بالذكاء الاصطناعي.
-
تنويع مصادر الدخل لصناع المحتوى، بدل الاعتماد على الإعلانات وحدها.
الخاتمة
إعلان OpenAI عن نموذج مشاركة الإيرادات في تطبيق Sora ليس مجرد تحديث تقني، بل تحوّل استراتيجي في علاقة الذكاء الاصطناعي بصناع المحتوى.
قد تكون هناك تحديات قانونية وتقنية، لكن الفكرة الأساسية واضحة: عصر “الاستخدام المجاني بلا مقابل” يقترب من نهايته. المستقبل يَعِد بعلاقة أكثر توازنًا، حيث يكسب المبدع والآلة معًا.
إنه وقت حاسم للتفكير: كيف يمكن للمبدعين أن يستفيدوا من الذكاء الاصطناعي بدل أن يخشوه؟ وكيف يمكن للمنصات أن تبني اقتصادًا رقميًا أكثر عدالة؟
